أبوظبي تحتضن المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة 2025
استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر 2025 المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة في مركز أبوظبي الوطني للمعارض (أدنيك)، الحدث الأكبر والأشمل على مستوى العالم في مجال البيئة وحماية الطبيعة.
ويُعقد المؤتمر كل 4 سنوات، ليشكل منصة دولية تجمع خبراء وصناع قرار وممثلين عن الحكومات والمنظمات الدولية والشعوب الأصلية والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية، لمناقشة أحدث القضايا العلمية والسياسات والممارسات البيئية، وتنسيق الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وحماية الطبيعة على المدى الطويل.
اختيار الإمارات لاستضافة المؤتمر جاء تتويجًا لمكانتها العالمية المتميزة في المجال البيئي، وما حققته من إنجازات رائدة على مدار العقود الماضية، سواء على صعيد السياسات الوطنية أو الجهود العملية لحماية التنوع البيولوجي والنظم البيئية.
الإمارات.. منصة رائدة للعمل البيئي العالمي
تمثل دولة الإمارات نموذجًا فريدًا في دمج مبادئ الاستدامة ضمن السياسات الوطنية، حيث تتبنى رؤية استراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، لتصبح بذلك أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلن التزامها بهذا الهدف الطموح.
وتشمل المبادرات الوطنية الأخرى:
- الإطار العام لاستراتيجية التنوع البيولوجي 2031، الذي يهدف إلى إعادة تأهيل 80 بالمئة من المناطق البرية والبحرية المتدهورة، والحفاظ على 21 بالمئة من النظم البيئية وخدماتها الحيوية، مع تحسين حالة الأنواع المحلية المهددة بالانقراض بنسبة 10 بالمئة.
- الأجندة الوطنية الخضراء 2030، والخطة الوطنية للتغير المناخي، والاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، والاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر 2030، التي توفر إطارًا متكاملاً لتوجيه جهود استعادة الطبيعة وتعزيز التنوع البيولوجي البري والبحري.
وأكدت الإمارات من خلال استضافتها لمؤتمرات بيئية كبرى، مثل COP28 عام 2023، قدرتها على قيادة الجهود الدولية في مواجهة التحديات البيئية. وأسفر المؤتمر عن “اتفاق الإمارات” و”البيان المشترك لـ COP28 بشأن المناخ والطبيعة والإنسان”، اللذين وضعا إطارًا للتكامل بين العمل المناخي وحماية الطبيعة على المستويين الإقليمي والعالمي.
الإمارات في قلب الجهود البيئية الدولية
محميات طبيعية جديدة.. تعزيز الريادة البيئية
تزامنًا مع فعاليات المؤتمر، وجّه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات بزيادة مساحة المحميات الطبيعية في إمارة أبوظبي لتصل إلى 20 بالمئة من إجمالي مساحة الإمارة، أي ما يعادل 22,821 كيلومترًا مربعًا، بعد إضافة محميات جديدة وتوسعة أخرى قائمة.
وشملت المحميات الجديدة:
- ثلاث محميات برية جديدة:
- محمية كثبان الوثبة الأحفورية
- محمية خزان ليوا للمياه الجوفية
- محمية الغاف الطبيعي
- توسعة محمية قصر السراب
- محميتان بحريتان جديدتان:
- محمية أبو الأبيض البحرية
- محمية صير بني ياس وجزر الصحراء البحرية
- توسعت محمية رأس غناضة البحرية لتعزيز حماية النظم البيئية البحرية.
وأكد الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثّل الحاكم في منطقة الظفرة، رئيس مجلس إدارة هيئة البيئة – أبوظبي: “أنَّ توجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، بشأن زيادة مساحة المحميات الطبيعية في إمارة أبوظبي، تأتي تجسيداً لرؤية قيادتنا الرشيدة في الحفاظ على البيئة وتعزيز الاستدامة، بما يسهم في حماية التنوع البيولوجي وصون النظم البيئية للأجيال المقبلة”.
وقال: “نحن على ثقة بأن هذه الخطوة ستعزز مكانة إمارة أبوظبي عالمياً، بوصفها نموذجاً رائداً في العمل البيئي، ومواصلة إرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، في صون الطبيعة وترسيخ قيم الاستدامة”.
كما أوضح محمد أحمد البواردي، نائب رئيس مجلس إدارة هيئة البيئة – أبوظبي، أن هذه الخطوة تعكس التزام الدولة الثابت بالحفاظ على التنوع البيولوجي وصون الكائنات الحية، إلى جانب تطوير برامج مبتكرة للحفاظ على الحياة البرية وضمان استدامة البيئة الطبيعية.
وقالت الدكتورة شيخة سالم الظاهري، الأمين العام لهيئة البيئة – أبوظبي: “ستسهم هذه التوجيهات في إحداث نقلة نوعية في مسيرة العمل البيئي في الإمارة، وتجسد التزام الإمارات بتحقيق أهداف الإطار العالمي للتنوع البيولوجي 2030، بما في ذلك تسريع جهود الحماية والوصول إلى مبادرة 30×30 بحلول 2030، وتعزيز التوازن بين التنمية المستدامة وصون الطبيعة”.
الابتكار والتكنولوجيا في خدمة الطبيعة
شكلت التقنيات الحديثة والابتكار أحد أبرز محاور المؤتمر، حيث تم عرض أحدث الحلول التقنية المستخدمة في حماية الطبيعة، من ضمنها:
- الطائرات بدون طيار لتقييم الأراضي والموائل البحرية
- الذكاء الاصطناعي في مراقبة الأنواع وتقييم الأراضي البيئية
- تقنيات مستدامة للاستزراع السمكي ودراسة مخزون الكربون الأزرق في الغابات البحرية والموائل الساحلية
وأكد أحمد الهاشمي، المدير التنفيذي لقطاع التنوع البيولوجي البري والبحري في هيئة البيئة – أبوظبي، خلال حديثه الى سكاي نيوز عربية أن هذه التقنيات تساعد على خفض تكلفة المحافظة على الطبيعة وتسريع وتيرة العمل البيئي، وتُمكّن من مراقبة تخزين الكربون بطريقة علمية دقيقة، ما يسهم في دمج العمل المناخي مع جهود حماية الطبيعة.
وأضاف الهاشمي أن الإمارات تمتلك إرثًا كبيرًا في حماية الطبيعة منذ تأسيس الدولة، حيث أسس الوالد المغفور له الشيخ زايد عملًا بيئيًا منظمًا لحماية الطبيعة، وهو إرث يستكمل من خلال مبادرات زراعة أشجار القرم وإعادة توطين الأنواع المهددة بالانقراض، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في مراقبة البيئات الطبيعية.
الهاشمي: الاستدامة وحماية البيئة محور توجهات حكومة الإمارات
التعاون الدولي والتكامل البيئي
جمع المؤتمر خبراء من أكثر من 140 دولة لمناقشة التحديات المشتركة في حماية الطبيعة، مثل:
- تغير المناخ وتأثيراته على النظم البيئية
- حماية الأنواع المهددة بالانقراض ومسارات هجرتها
- المحافظة على الموائل الطبيعية والموارد البحرية
وشدد الهاشمي خلال حديثه على أن البيئة لا تعرف حدودًا، وأن الحلول الفعالة تأتي عبر التعاون الدولي وتكامل الاستراتيجيات الوطنية والدولية لضمان استدامة النظم البيئية وحماية التنوع البيولوجي على مستوى عالمي.
كما تم التركيز على المجتمعات المحلية ومعارفها التقليدية، حيث لها مساهمات كبيرة في المحافظة على الطبيعة. وأوضح الهاشمي أن تعزيز هذه المعرفة وتوسيع نطاقها على مستوى أكبر يمثل أحد أهم واجبات المؤتمر لضمان استدامة الحلول البيئية.
برامج حماية الأنواع المهددة
تستضيف الإمارات مكتب الأنواع المهاجرة لاتفاقية الحفاظ على الأنواع التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة منذ أكثر من 15 عامًا، وقد تم وضع خطط متكاملة لحماية نوعين رئيسيين:
- أبقار البحر، من خلال مذكرة تفاهم بين مختلف الدول لحمايتها
- الطيور الجارحة المهددة بالانقراض، عبر برامج وسياسات رائدة لإعادة تأهيلها
كما عملت الإمارات على بناء قدرات محلية واستضافة ورش عمل ودورات تدريبية، ما يسهم في تبادل الخبرات الدولية وتكامل الجهود بين الجهات المحلية والدولية.
مخرجات المؤتمر
تركزت مخرجات المؤتمر على عدة محاور رئيسية:
- اعتماد الاستراتيجية الجديدة للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة للأربع سنوات القادمة
- وضع حلول مبتكرة لتخفيض تكلفة جهود المحافظة على الطبيعة باستخدام التكنولوجيا الحديثة
- تعزيز برامج حماية الأنواع المهددة مثل أبقار البحر والطيور الجارحة
- تطوير أدوات علمية لقياس الكربون المخزن في الغابات والموائل البحرية
- دمج جهود المجتمع الدولي والمحلي في إدارة المحميات وحماية التنوع البيولوجي
- تعزيز دور المجتمعات المحلية ونقل المعرفة التقليدية على نطاق أوسع لضمان حلول مستدامة
كما ناقش المؤتمر موضوع حلول قائمة على الطبيعة للتغير المناخي، مثل زراعة الأشجار والنباتات البحرية التي تساعد على تخزين الكربون، ما يعكس رؤية الإمارات في دمج البيئة والعمل المناخي ضمن سياسات متكاملة.
الإمارات نموذج عالمي للعمل البيئي
شكل المؤتمر فرصة لإبراز التجربة الإماراتية الريادية في الحفاظ على الطبيعة، من خلال السياسات الوطنية المبتكرة، والتقنيات الحديثة، والمبادرات المحلية، ما جعل الدولة نموذجًا يحتذى به على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وأظهر التزام الإمارات بتحقيق أهداف الإطار العالمي للتنوع البيولوجي 2030 والسعي للوصول إلى مبادرة 30×30، تعزيزًا لدورها الريادي في العمل البيئي، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، وضمان استدامة الموارد الطبيعية للأجيال المقبلة.
جاء المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة 2025 ليؤكد الدور الريادي لدولة الإمارات في حماية البيئة وتعزيز الاستدامة على المستوى العالمي، ويبرز التجربة الإماراتية كنموذج متكامل يجمع بين السياسات الوطنية الطموحة، والتكنولوجيا الحديثة، وإشراك المجتمعات المحلية، والتعاون الدولي.
كما أسهم المؤتمر في وضع خطط وسياسات قابلة للتنفيذ للتعامل مع التحديات البيئية العالمية، من تغير المناخ وحماية الأنواع المهددة بالانقراض إلى حماية المسارات الهجرية وموائل التنوع البيولوجي. ويشكل هذا الحدث مرحلة محورية في مسار الجهود الدولية لتحقيق أهداف الإطار العالمي للتنوع البيولوجي 2030، ويعكس التزام الإمارات الثابت بضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.
اترك ردك