إن الانتخابات الرئاسية الأمريكية تشكل حدثا مهما يؤثر على الأسواق المالية العالمية، حيث يمتد تأثيرها إلى ما هو أبعد من حدود الولايات المتحدة ليشمل اقتصادات الأسواق الناشئة.
باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم، تعمل الولايات المتحدة على تشكيل الظروف المالية العالمية من خلال سياساتها المتعلقة بالنمو والتجارة والعلاقات الدولية.
وقد حدد محللو UBS عدة طرق يمكن أن تؤثر بها انتخابات عام 2024 على الأسواق الناشئة، وخاصة من خلال التحولات في المشهد الاقتصادي الكلي في الولايات المتحدة، واستراتيجيات التجارة، والعلاقات الجيوسياسية.
ترتبط أصول الأسواق الناشئة ارتباطًا وثيقًا بالتوقعات المحيطة بالاقتصاد الأميركي. وقد تتغير عوامل مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي، والتضخم، وأسعار الفائدة، وقوة الدولار الأميركي اعتمادًا على نتائج الانتخابات.
على سبيل المثال، قد يؤدي فوز الجمهوريين إلى تعزيز النمو الاقتصادي الأميركي، ولكن قد يؤدي أيضاً إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة. وقد تؤدي هذه الظروف في البداية إلى تعزيز قوة الدولار الأميركي، ولكن هذا قد يفرض تحديات على الأسواق الناشئة.
تاريخيا، يؤدي ارتفاع قيمة الدولار إلى رفع تكلفة الاقتراض بالنسبة لدول الأسواق الناشئة، التي تتحمل العديد منها ديونا كبيرة مقومة بالدولار. ومن الممكن أن يؤدي هذا التشديد في الظروف المالية إلى ردع الاستثمار الأجنبي وإبطاء النمو الاقتصادي في هذه الأسواق.
تاريخيا، شهدت الأصول في الأسواق الناشئة تقلبات قصيرة الأجل في أعقاب الانتخابات الأميركية بسبب حالة عدم اليقين بشأن التغييرات في القيادة الأميركية. وتعتبر قيمة الدولار، التي تشكل عاملا رئيسيا، ذات أهمية خاصة.
وقال محللون من بنك يو بي إس في مذكرة “يشكل الدولار الأميركي نحو 60% من احتياطيات النقد الأجنبي على مستوى العالم. وتتمتع البلاد بأكبر وأعمق أسواق رأس المال في العالم”.
في حين أن النمو الأقوى في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى تغذية الطلب على السلع والخدمات من الأسواق الناشئة، فإن ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع قيمة الدولار قد يخلقان رياحا مالية معاكسة، مما يحد من إمكانية زيادة اهتمام المستثمرين.
وتشكل السياسة التجارية قناة حاسمة أخرى قد تؤثر من خلالها الانتخابات الأميركية على الأسواق الناشئة. ويتمتع رؤساء الولايات المتحدة بسلطة كبيرة في تشكيل العلاقات التجارية للبلاد، وأصبحت التعريفات الجمركية أداة سياسية بارزة في السنوات الأخيرة.
قد تعمل الإدارة الجمهورية، وخاصة في عهد ترامب، على إحياء الاستراتيجيات التي تفرض رسوما جمركية ثقيلة، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة حالة عدم اليقين وتقليل جاذبية أصول الأسواق الناشئة، وخاصة في الاقتصادات المعتمدة على التصدير مثل المكسيك والعديد من الدول الآسيوية.
ومن ناحية أخرى، قد تفضل الإدارة الديمقراطية سياسات تجارية أكثر تعددية، مما قد يؤدي إلى الحد من التوترات التجارية وتوفير قدر أكبر من الاستقرار للاقتصادات الناشئة في الوصول إلى الأسواق العالمية.
وتشكل الجغرافيا السياسية مجالاً آخر مثيراً للقلق. ذلك أن العلاقات الأميركية مع اللاعبين العالميين الرئيسيين مثل الصين والمكسيك والأرجنتين وفنزويلا وروسيا قد تتطور إلى حد كبير اعتماداً على من سيفوز بالرئاسة.
وقال المحللون إن الرئيس السابق ترامب أعرب مرارا وتكرارا عن تفضيله لاستخدام التعريفات الجمركية بنشاط كأداة للسياسة التجارية ويبدو من المرجح أن يتخذ نهجا أكثر أحادية وانعزالية لمعالجة القضايا العابرة للحدود، مما يزيد من المخاطر بالنسبة للأسواق الناشئة، وخاصة تلك التي تعتمد على التجارة المستقرة والعلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة. في أمريكا اللاتينية، على سبيل المثال، قد تشهد المكسيك تقلبات متزايدة اعتمادًا على التحولات في سياسات الهجرة أو التجارة الأمريكية.
ومع ذلك، قد تستفيد الأرجنتين من العلاقات القوية بين رئيسها وترامب، وهو ما قد يؤدي إلى تحسين العلاقات الثنائية.
وفي آسيا، من المرجح أن تكون تأثيرات الانتخابات معقدة، حيث تنطوي على مخاطر وفرص. ومن المتوقع أن تظل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، التي تسير بالفعل على مسار متوتر ومضطرب، تشكل تحديا بغض النظر عن نتيجة الانتخابات.
ومن المرجح أن يتم فرض المزيد من القيود على شركات التكنولوجيا الصينية، مما سيدفع المستثمرين العالميين إلى تحويل تركيزهم نحو أسواق أخرى مثل تايوان وكوريا الجنوبية، التي تعد موطنا لموردي الذاكرة وأشباه الموصلات من الطراز العالمي.
من المتوقع أن تجتذب الهند، في ظل دورها المتنامي في سلاسل التوريد العالمية مع سعي الشركات إلى إيجاد بدائل للصين، المزيد من الاهتمام الاستثماري من جانب الشركات الأميركية والدولية.
وفي الوقت نفسه، قد يكون لنتيجة الانتخابات في الشرق الأوسط وأوروبا الوسطى والشرقية تأثير عميق على المشهد الجيوسياسي.
ومن شأن فوز الجمهوريين أن يؤدي إلى زيادة إنتاج الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط العالمية ويضع ضغوطاً تنافسية إضافية على المصدرين الخليجيين.
وقال المحللون إن “رئاسة ترامب من المرجح أيضا أن تؤدي إلى انخفاض حاد في الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا وإضعاف حلف شمال الأطلسي، وهو ما من شأنه أن يزيد من علاوة المخاطر الجيوسياسية على الأصول الأوروبية”.
اترك ردك