لا يستخدم التجار الأوروبيون هذا الصيف سوى جزء بسيط من مخزون الغاز الطبيعي الهائل في أوكرانيا، وذلك في أعقاب الهجمات الروسية التي أدت إلى زيادة المخاطر، مما حرم الدولة التي مزقتها الحرب المستعرة منذ الرابع والعشرين من شهر فبراير من العام 2022 من الإيرادات الكبيرة.
تتمتع أوكرانيا بأكبر مرافق تخزين تحت الأرض في أوروبا، وفي العام الماضي قدمت لشركات الاتحاد الأوروبي مساحة ثمينة لتخزين الغاز الزائد لديها قبل الشتاء.
ولكن بعد الهجوم الروسي في الربيع الذي استهدف البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، بما في ذلك مرافق ضخ الغاز وتخزينه، انخفضت أحجام الغاز الأوروبية في يونيو ويوليو إلى عُشر الكميات المخزنة خلال نفس الفترة من العام الماضي، بحسب تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.
نقل التقرير عن ماركو سالفرانك، من مجموعة الطاقة Axpo ، قوله إن “الهجمات الروسية المستمرة على منشآت التخزين الأوكرانية تزيد من خطر تخزين الغاز”.
ويشار إلى أن:
- مرافق تخزين الغاز في الاتحاد الأوروبي لا تستطيع تخزين أكثر من حوالي 100 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، مقارنة بالطلب السنوي في الكتلة الذي يتراوح بين 350 مليار متر مكعب و500 مليار متر مكعب، اعتمادًا على الطقس وظروف أخرى.
- أوكرانيا عرضت نحو 10 مليارات متر مكعب من سعة التخزين الإضافية في العام الماضي، وقامت الكيانات الأوروبية بتخزين أكثر من 2 مليار متر مكعب قبل أشهر الشتاء، حيث عرضت البلاد حوافز مثل تعريفات التخزين الرخيصة.
- لكن هذا العام كان هناك القليل من الضخ، حتى مع وصول مرافق التخزين في الاتحاد الأوروبي إلى نسبة 86 بالمئة من طاقتها – وهو أعلى مستوى لها هذا العام، وفقا لمؤسسة البنية التحتية للغاز في أوروبا.
وأرسلت الشركات الأوروبية 15.4 مليون متر مكعب و51.9 مليون متر مكعب فقط في يونيو ويوليو، مقارنة بـ 102.7 مليون متر مكعب و586.6 مليون متر مكعب في تلك الأشهر من العام الماضي، وفقاً لبيانات أرجوس.
في حين أن خزانات الغاز الفعلية تقع على عمق كبير تحت الأرض، مما يحافظ عليها في مأمن من الضربات، فإن الأضرار التي تلحق بالمرافق فوق الأرض المستخدمة لضخ الغاز داخل وخارج التخزين تشكل خطراً مادياً يقلق المتداولين.
وقال سالفرانك: “المشكلة الرئيسية ليست فقدان الغاز، بل عدم القدرة على سحبه عندما نريد وعندما نحتاج إليه”.
وقالت شركة الطاقة الحكومية “نفتوغاز” إن “عدة هجمات” وقعت في مارس وأبريل على البنية التحتية فوق الأرض، وتم إجراء الإصلاحات.
وأضاف الرئيس التنفيذي لشركة “نفتوغاز”، أوليكسي تشيرنيشوف: “لا توجد مشاكل، نحن نعمل كالمعتاد” فيما يتعلق بحقن وسحب الغاز”.
وتحرص أوكرانيا على استمرار التجار الأوروبيين في استخدام بنيتها التحتية للغاز، ويرجع ذلك جزئياً إلى العائدات القيمة التي يجلبها الغاز إلى اقتصادها الممزق بالحرب. ومع ذلك، قالت رئيسة تسعير الغاز الأوروبي في أرجوس، ناتاشا فيلدينج: “ما لم يتم تقديم بعض الحوافز الإضافية لتخزين الغاز في أوكرانيا، فمن الصعب أن نرى كيف سيعود التجار الأوروبيون.
وفي العام الماضي، عقد الاتحاد الأوروبي محادثات مع البنوك بشأن توفير التأمين لتغطية المخاطر، لكن هذه المحادثات باءت بالفشل منذ ذلك الحين.
وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي إن الهجمات المتزايدة جعلت مثل هذه الاعتبارات صعبة. وأضاف المسؤول أن أوكرانيا قد تجني نحو 200 مليون يورو من التجار الأوروبيين الذين يخزنون الغاز، لكن الضمانات المضادة سوف تحتاج إلى أن تصل إلى مليار يورو. وأضاف المسؤول “إذا كنتم تريدون دعم أوكرانيا، فما عليكم إلا أن تعطوها مليار يورو”. كما اختفت تقريبا الفوارق السعرية المربحة التي كانت سائدة العام الماضي.
وتتسارع وتيرة تراكم الغاز في مخازن أوكرانيا خلال أشهر الصيف، عندما تكون أسعار الغاز رخيصة مقارنة بالمواسم الأخرى. ثم يبيع التجار الغاز عندما ترتفع الأسعار لتحقيق الربح، وعادة في أشهر الشتاء عندما يزيد الطلب على التدفئة من الطلب على الغاز الطبيعي.
وفي العام الماضي، كان الفارق في كثير من الأحيان يتجاوز 20 يورو لكل ميغاواط/ساعة في الصيف، ولكن هذا العام لم يتجاوز 5 يورو/ميغاواط/ساعة، وفقا لوكالة أرغوس لتقارير الأسعار.
وفي هذا السياق، قال سالفرانك: “إن الفوارق في الأسعار ليست جذابة بما يكفي لتبرير مخاطر ضخ الغاز في منطقة حرب”.
المرافق الأوكرانية
في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، قال الباحث المتخصص في شؤون النفط والطاقة، عامر الشوبكي، إن المخزونات في أوكرانيا تُخزن في تجاويف أرضية طبيعية ضخمة كانت تعتمد عليها أوروبا، وتشكّل نسبة كبيرة من المخزونات الأوروبية. وعند فقدان هذه المخزونات الأوكرانية، فإن ذلك يعني فقدان مخزونات استراتيجية هامة.
وأضاف: هذه التجاويف تقع في أعماق كبيرة تحت الأرض، وهي مقاومة للضربات، ولكن المنشآت السطحية التي تستخدم لسحب هذه المخزونات قد تأثرت بشكل كبير من الضربات الروسية.
وأوضح أن أوكرانيا كانت تستفيد من تخزين الغاز في الصيف بأسعار منخفضة وبيعه في الشتاء بأسعار مرتفعة، بالإضافة إلى رسوم التخزين المدفوعة من قبل الشركات الأوروبية. إلا أن الهجمات الروسية التي طالت المنشآت السطحية التي تُصدّر الغاز لأوروبا أثرت سلباً على هذه العمليات.
وأكد الشوبكي أن هناك أضراراً واضحة للأوكرانيين نتيجة فقدان جزء من مخزوناتهم، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى استهلاكه الكبير من الغاز الطبيعي، قد يواجه أزمة في الشتاء المقبل، خاصة مع احتمالية انقطاع أنبوب الغاز المار عبر الأراضي الأوكرانية.
فاتورة الحرب
من جانبها، قالت أستاذ الاقتصاد والطاقة بالقاهرة، الدكتورة وفاء علي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه لا شك أن تكرار الهجمات الروسية بالطائرات غير المأهولة على منشآت الغاز الأوكرانية قد أصاب البنية التحتية للغاز، خصوصاً في غرب أوكرانيا، حيث تعد أوكرانيا الطريق الرئيسية لتدفق غاز شركة غازبروم إلى الاتحاد الأوروبي.
وأضافت أن المسار المستقبلي لمنشآت الغاز الأوكرانية مرهون بتحديات اقتصادية وسياسية فرضتها الظروف الحالية، بما في ذلك الهجمات على هذه المنشآت بهدف تقويض إمدادات الغاز إلى أوروبا. وقد حاولت أوروبا خلال العامين الماضيين استبدال الغاز الأميركي المسال بالغاز الروسي، ولكن الوضع الحالي زاد من تعقيد العمليات وأدى إلى تصاعد الهجمات بين الأطراف.
أشارت إلى أن الحقيقة الراسخة هي أن أحداً لا يمكنه تعويض أوروبا عن الغاز الروسي بشكل كامل، حتى لو كانت أميركا. ومع كل هذه التطورات، تتحرك العقود الآجلة للغاز، مما يدفع أوروبا إلى محاولة الحفاظ على مخزوناتها خلال فترة الصيف، في ظل عدم وضوح مصير منشآت تخزين الغاز الأوكرانية وتغيير خريطة مسارات الغاز واقتصاد الطاقة في أوكرانيا نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية والتداعيات التي قلصت إمدادات الغاز عبر أوكرانيا قبل شهرين.
وأوضحت أنه إذا تصاعدت هجمات الطائرات غير المأهولة على منشآت الغاز الأوكرانية، فقد يؤدي ذلك إلى تقليص إيرادات أوكرانيا، التي يعاني اقتصادها بسبب موقعها كممر للغاز.
البنية الأوكرانية
بدوره، أوضح خبير اقتصاديات الطاقة نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن:
- أوكرانيا تؤكد باستمرار أن روسيا تستخدم الطاقة كأداة جيوسياسية لابتزاز الغرب.
- المنشآت والمرافق وشبكات النفط والغاز ومحطات توليد الكهرباء في أوكرانيا تعرضت للاستهداف منذ شهور عدة، بما في ذلك مرافق تخزين الغاز الطبيعي غرب أوكرانيا، التي تستخدمها كيانات أوروبية، خصوصاً في فصل الشتاء البارد.
- مرافق التخزين الأوكرانية توفر دعماً احتياطياً للاتحاد الأوروبي خلال الشتاء.
- يتعين عدم المبالغة في تقدير حجم المخاطر.. فيما خسرت أوكرانيا موردًا ماليًا هامًا من العملات الصعبة، بينما ستعاني أوروبا من نقص في الإمدادات.
- المخزونات الأوكرانية التي تخدم الكيانات الأوروبية ليست بالأهمية الكارثية كما قد يظن البعض.
وبيّن أن أوكرانيا لا تزال تسمح بعبور الغاز الروسي عبر أراضيها، كونها موقع هام لترانزيت الطاقة الأوروبي، وهذا يتم بموجب اتفاق مبرم بين عملاق الغاز الروسي غازبروم وشركة نفط وغاز Naftogas الأوكرانية. ومن المقرر أن ينتهي هذا الاتفاق في نهاية العام الحالي.
وأشار إلى أنه “قد نشهد ارتفاعات في الأسعار، لكن ضمن نطاق محدود، وستكون أقل بكثير من أسعار شتاء عام 2022.. كما لا نتوقع أزمة خانقة كما حدث في السابق، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي يلتزم بمساعدة أوكرانيا في إعادة تأهيل مرافق تخزين الغاز”.
وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية للطاقة، تيم ماكفي، في أبريل: “سنساعد أوكرانيا في إعادة بناء مرافق تخزين الغاز الطبيعي.”
اترك ردك