قضايا المناخ حاضرة بقوة على أجندة اجتماعات الأمم المتحدة

خاص

اجتماعات الأمم المتحدة

مع انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يترقب العالم حضور ملف المناخ بقوة في خطابات القادة والاجتماعات رفيعة المستوى، وسط مؤشرات على أن أزمة المناخ ستتصدر أجندة النقاشات العالمية، فارتفاع درجات الحرارة، وتزايد الكوارث الطبيعية، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، تجعل من قاعة الأمم المتحدة ساحة رئيسية للتحذير والدعوة إلى تحرك عاجل.

كذلك من المتوقع أن تهيمن الخلافات التقليدية بين الدول الغنية والنامية على المشهد. فبينما تؤكد الاقتصادات المتقدمة أنها تمضي في تقليص الانبعاثات من خلال استثمارات في الطاقة النظيفة، تصر دول الجنوب على أن المسؤولية التاريخية تقع بالدرجة الأولى على الدول الصناعية التي تسببت في الأزمة عبر عقود من الاستخدام المكثف للوقود الأحفوري.

وفي المقابل، تواصل الدول النامية تجديد مطالبها بدعم مالي وتقني يضمن لها انتقالاً عادلاً نحو الطاقة المتجددة، بحيث لا تُترك لتواجه معضلة مزدوجة تتمثل في تراجع النمو وتفاقم أعباء الديون. ويُنتظر أن يسلط ممثلو هذه الدول الضوء على الحاجة إلى نقل التكنولوجيا وبناء قدرات محلية في مواجهة التحديات المناخية.

كما يتوقع أن تبرز في الخطابات تساؤلات حادة حول الوعود السابقة التي لم تتحقق بالكامل، وعلى رأسها التعهد بتوفير مئة مليار دولار سنويًا لصندوق تمويل المناخ. فالفجوة بين الأقوال والأفعال ما زالت تمثل نقطة ضعف كبرى في النظام الدولي، وتجعل من اجتماعات نيويورك اختبارًا جديدًا لمدى جدية المجتمع الدولي في تحويل التعهدات إلى خطوات عملية.

تحت شعار “أفضل معاً.. 80 عاماً وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان” ، تأتي هذه الدورة المهمة في ظل التحديات العالمية المتزايدة والدعوات العاجلة إلى عمل متعدد الأطراف متجدد.

في الفترة من 23 إلى 29 سبتمبر يتجه الاهتمام العالمي إلى المنصة الرخامية الخضراء الشهيرة في قاعة الجمعية العامة، حيث سيلقي الرؤساء ورؤساء الوزراء والملوك بيانات وطنية، ويحددون رؤى للسلام والتنمية وحقوق الإنسان والعمل الجماعي في ظل التحديات العالمية المتزايدة.

يشمل جدول الأعمال أيضاً قمة تعقد كل عامين بشأن تمويل التنمية المستدامة، وقمة المناخ، بحسب الأمم المتحدة.

ومع تفاقم أزمة المناخ ونطاقها حول العالم، يدعو الأمين العام للأمم المتحدة إلى قمة للمناخ في 24 سبتمبر، لتكون منصةً لقادة العالم لعرض خطط عملهم الوطنية الجديدة بشأن المناخ، والاستفادة من مزايا عصر الطاقة النظيفة الجديد.

وقبل انعقاد مؤتمر الأطراف الثلاثين في البرازيل، ستركز القمة على إظهار الالتزام وتسريع العمل لحماية الناس وكوكب الأرض، بما يتماشى مع أهداف اتفاقية باريس.

  • بحلول مؤتمر الأطراف الثلاثين، يتعين على جميع الأطراف في اتفاقية باريس تقديم مساهمات وطنية جديدة محددة تعكس إجراءات جريئة للعقد المقبل. تُمثل هذه الخطط المُحدثة فرصةً لجني ثمار مستقبل عادل، مرن، ومنخفض الكربون.
  • ولتسريع الزخم، سيستضيف الأمين العام للأمم المتحدة حدثًا خاصًا رفيع المستوى بشأن العمل المناخي في 24 سبتمبر، كمنصة للقادة لتقديم مساهماتهم الوطنية المحددة الجديدة، وفق موقع المنظمة الدولية.
  • وسوف يجمع هذا الحدث أيضًا قادة من الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدني، حول حوارات الحلول المواضيعية، لطرح أفكار لدفع العمل عبر التخفيف والتكيف والتمويل وسلامة المعلومات وغيرها من المجالات الحرجة، بما يتماشى مع اتفاق باريس وأولويات مؤتمر الأطراف الثلاثين.

بين الواقع والوعود

من جانبه، يوضح الخبير في شؤون المناخ، حمدي حشاد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن:

  • الجنوب العالمي يطالب منذ سنوات بتمويل وتقنيات حقيقية تساعده على الانتقال نحو الطاقة النظيفة.
  • لكن رغم أن ملف المناخ حاضر بقوة في خطابات القادة، فإن الواقع مازال بعيداً عن الوعود.
  • إن أكبر عقبة تكمن في الفجوة التمويلية، حيث إن التعهدات بالـ 100 مليار دولار سنوياً لم تصل بالكيفية الكافية، فيما الجزء الذي وصل جاء في شكل قروض زادت من مديونية الدول الهشة بدل أن تمنحها مجالاً للتحرك.
  • العقبة الثانية مرتبطة بالتكنولوجيا التي مازالت محتكرة في يد الشركات الكبرى في الشمال، وهو ما يجعل الجنوب في موقع التابع والمستهلك بدل أن يكون فاعلاً وصانعاً للتغيير.

ويؤكد حشاد أن كثيراً من الحكومات في الجنوب تواجه أزمات اقتصادية واجتماعية تضغط عليها وتجبرها على الاعتماد على الوقود الأحفوري كحل سريع لتغطية الميزانيات.

ويتابع موضحاً أن الحلول موجودة لكنها تحتاج إلى إرادة فعلية، مشدداً على أن المطلوب هو تمويل عادل ومباشر على شكل منح وليس قروضاً، مع آليات واضحة لنقل التكنولوجيا عبر شراكات صناعية تسمح بالتصنيع المحلي للألواح الشمسية والبطاريات. كما يدعو إلى تعزيز الشفافية في إدارة التمويل المناخي وربط كل مشروع بنتائج قابلة للقياس على الأرض، وأيضاً إشراك المجتمعات المحلية والقطاع الخاص الناشئ حتى يكون الانتقال مشروعاً جماعياً وليس مجرد ملف تفاوضي.

ويختتم حديثه بالتأكيد على أن العدالة المناخية لن تتحقق إلا حين تتحول الوعود إلى التزامات ملموسة تنعكس مباشرة على حياة الشعوب في الجنوب العالمي.

ملفات رئيسية

ومن بين الملفات الرئيسية المرتبطة بالمناخ ضمن الاجتماعات رفيعة المستوى المرتقبة التي دعا إليها الأمين العام، والتي سوف تتم مناقشتها على هامش اجتماعات الأمم المتحدة الحالية:

  • التحول في مجال الطاقة: سيركز هذا الحدث على الإجراءات والحلول ذات الأولوية اللازمة لتسريع التحول العادل والمنظم والمنصف وتحقيق الفرص الاجتماعية والاقتصادية لتعزيز نشر الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة.
  • تمويل المناخ: في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، وافقت الحكومات على زيادة تمويل المناخ للدول النامية إلى 1.3 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2035. وتهدف هذه الجلسة إلى تجديد الزخم والدعم السياسي لتأمين هذا الهدف المهم.
  • التكيف مع تغير المناخ: لدى جميع الدول تقريبًا خططٌ للتكيف، إلا أن العمل لا يزال مجزأً ويعاني من نقص التمويل. يهدف هذا الحوار إلى إبراز قضية التكيف على الأجندة السياسية، مع التركيز على تعزيز العمل الوطني وتوسيع نطاق الوصول إلى التمويل المبتكر.
  • تخفيضات غاز الميثان والوقود الأحفوري: يُسهم الميثان في ثلث ظاهرة الاحتباس الحراري، ويُوفر أسرع وأرخص فرصة للتخفيف من آثارها. سيُسلّط هذا الحوار الضوء على عوامل السوق والمبادرات القائمة لتسريع خفض انبعاثات الميثان في عمليات الوقود الأحفوري.
  • إزالة الكربون الصناعي: يُمثل خفض انبعاثات الكربون من صناعات مثل الصلب والأسمنت والألمنيوم والمواد الكيميائية فرصةً للنمو وتوفير فرص العمل وتعزيز القدرة التنافسية. سيُسلّط هذا الحوار الضوء على الأدوات والمعايير والتمويل اللازم لتسريع عملية الانتقال إلى الصناعة النظيفة.
  • دور الجهات الفاعلة غير الحكومية: تلعب الشركات والممولون والحكومات المحلية دورًا حاسمًا في تنفيذ إجراءات مكافحة المناخ. ويهدف هذا الحوار إلى تسريع وضع خطط انتقالية موثوقة للجهات الفاعلة غير الحكومية لتحقيق صافي انبعاثات صفري، مع تسليط الضوء على أفضل الممارسات واحتياجات السياسات.

تأثير الصراعات

تقول أستاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة الدكتورة وفاء علي لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن مآلات المشهد العالمي تكشف أن “قبح الصراعات الجيوسياسية وتأثيرها على أجندة المناخ قد فاق التوقعات”، بل بات تأثيرها يفوق في بعض الأحيان آثار التغيرات المناخية نفسها. وتوضح أن تمويل الحروب يقوّض جهود العالم في معالجة أزمة المناخ، حتى أصبح المجتمع الدولي يضحي بقضية التغيرات المناخية بينما الوقت ينفلت.

وتتابع: “الأعوام تمر وقمم المناخ تتوالى واجتماعات الأمم المتحدة مستمرة، دون تغيير ملموس في إعادة توزيع الأدوار والأضرار، فالعالم لم يتعلم من الماضي، ولم يحلل الحاضر، ولم يستشرف المستقبل”، مشيرة إلى أن أزمة التمويلات ما زالت قائمة، خاصة بالنسبة لدول الجنوب، حيث تتحمل الدول الإفريقية تكاليف باهظة لمقاومة التغيرات المناخية، رغم أنها ليست مسؤولة عنها أساساً.

وتشدد على أن السؤال الجوهري اليوم هو: “أين التمويلات؟”، إذ ما يزال “صندوق التعويضات والخسائر” يراوح مكانه، بينما وقعت دول الجنوب في مصيدة أخطاء الكبار وأطماعهم، مضيفة أن “هذه الدول تحتاج 4 تريليونات الدولارات لتطوير مصادر الطاقة المتجددة وضمان وصول الكهرباء إلى ملايين الأسر في إفريقيا، فضلاً عن الحاجة إلى سد فجوة تمويلية تعادل أضعاف ما يُضخ حالياً”.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن المشكلة تكمن في أن الاستثمارات الوافدة إلى دول الجنوب لا تُوجَّه في الغالب إلى قطاع الطاقة المتجددة، وإنما إلى قطاعات أخرى تخدم مصالح الهيمنة والنفوذ الاقتصادي، بعيداً عن المبادئ وأولويات التنمية.

أزمة الفساد

وفي خضم النقاشات العالمية حول مستقبل العمل المناخي، يواجه القادة وصنّاع القرار سلسلة من التحديات المعقدة التي تعرقل تسريع وتيرة التحرك. فبين فجوة التمويل بين الشمال والجنوب، وضعف البنية المؤسسية في كثير من الدول النامية، وتضارب الأولويات الاقتصادية مع المتطلبات البيئية، تتزايد المخاوف من أن تتحول التعهدات إلى مجرد وعود بلا تنفيذ.

كما يبرز ملف الحوكمة والشفافية كأحد المحاور الجوهرية التي تشغل بال المانحين والجهات الدولية، إلى جانب العقبات التقنية والهيكلية المرتبطة بغياب استراتيجيات طاقة متكاملة في العديد من الاقتصادات الناشئة.

في هذا السياق، يقول استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ، الدكتور ماهر عزيز، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “ربما تتشكل العقبة الرئيسية في كون الدول المتقدمة، رغم اهتمامها الكبير بتمويل دول الجنوب لمكافحة التغير المناخي، إلا أنها تشدد على أن تُوجَّه هذه المساعدات إلى الغرض الأساسي الذي خُصصت له؛ فهناك تحفظات واسعة لدى الدول المانحة بشأن الفساد المتفشي في دول العالم الثالث، حيث غالباً ما تتسرب أموال التنمية إلى جيوب القادة والطبقات العليا من المسؤولين الحكوميين بدلاً من أن تصل إلى مستحقيها”.

ويضيف: “غياب اليقين بشأن وصول المساعدات إلى أهدافها المناخية يجعل الدول المانحة أكثر تمسكاً بالتحقق أولاً من آليات الحوكمة والشفافية المطبقة في الدول طالبة المعونات، وهو ما يؤدي في النهاية إلى إطالة زمن الإجراءات قبل صدور الموافقات النهائية سواء على المنح أو حتى على القروض.”

ويتابع: “العقبة الأخرى ترتبط بعدم جهوزية كثير من دول الجنوب عند طلبها تمويلات التحول الطاقي، إذ يشترط الأمر وجود استراتيجية وطنية واضحة للطاقة، إضافة إلى توفر إمكانات طبيعية ملائمة مثل معدلات السطوع الشمسي وسرعات الرياح والمصادر الأحيائية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة، إلى جانب بنية أساسية قوية، سواء مادية أو إدارية، فضلاً عن توفر الكوادر البشرية المؤهلة.”