مع اقتراب التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار المحتمل بين لبنان وإسرائيل، تثار تساؤلات حول تأثير هذا التطور على الأسواق وما إن كان سيخفف من حدة المخاوف الجيوسياسية التي أرخت بظلالها على الاقتصاد العالمي منذ اندلاع الصراع في أكتوبر 2023.
يسعى الطرفان للتوصل إلى شروط اتفاق لإنهاء الصراع، رغم بنود خلافية مثيرة للجدل. كما يجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي الثلاثاء لحسم موقفه. ويعتقد البيت الأبيض بأن الاتفاق صار قريباً. في الوقت الذي نقلت فيه رويترز مساء الاثنين عن مصادر لبنانية رفيعة المستوى تأكيداتهم على أن هناك خطة مشتركة بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للإعلان عن الاتفاق خلال 36 ساعة المقبلة.
الأسواق العالمية، التي تشهد تقلبات حادة نتيجة التوترات في الشرق الأوسط، قد تستقبل هذا الاتفاق بإيجابية، إذا ما تم إعلانه رسمياً، ذلك أن تخفيف حدة المخاطر الجيوسياسية قد يسهم في استقرار أسواق النفط والطاقة، التي لطالما تأثرت باضطرابات المنطقة.
وعلى الرغم من التفاؤل الحذر، فإن الأسواق غالباً ما تترقب تطبيق الاتفاق على أرض الواقع قبل إعادة تقييم علاوة المخاطر المرتبطة بالمنطقة. ذلك أن تجارب سابقة أظهرت أن أي تصعيد جديد، حتى بعد توقيع اتفاقات، يمكن أن يبدد مكاسب التهدئة. لذلك، قد لا تكون استجابة الأسواق فورية، بانتظار تأكيد الاستقرار واستدامته.
ويعتقد محللون بأنه إذا تم تنفيذ الاتفاق بنجاح، فقد يشكل خطوة أولى نحو تخفيف حدة التوترات في الشرق الأوسط ككل.ذلك أن تهدئة الوضع بين لبنان وإسرائيل قد تفتح المجال أمام جهود دبلوماسية أوسع، خاصة في ظل تزايد المبادرات الدولية لإعادة ترتيب الأولويات الأمنية والاقتصادية في المنطقة.
تأثير محدود
لكن الخبير الاقتصادي وكبيرالاقتصاديين في شركة ACY، الدكتور نضال الشعار، يقول في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- الوضع الراهن بين إسرائيل ولبنان، بالإضافة إلى أي اتفاق محتمل بينهما، لا يمكن اعتباره السبب المباشر في تقلبات أسعار المواد مثل الذهب والدولار والأسواق المالية بشكل عام.
- الأسواق شهدت ارتفاعاً في الأسبوع الماضي، ولكن هذا الارتفاع لم يكن ناتجاً عن هذا الاتفاق، بل بسبب مجموعة من العوامل الأخرى.
- الوضع الجيوسياسي بين روسيا وأوكرانيا، وقرار الولايات المتحدة السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة معينة (لضرب العمق الروسي) كان له تأثير أكبر على الأسواق. كما أن رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ذلك، والذي تضمن الإشارة إلى إمكانية استخدام الأسلحة النووية، هو ما أسهم بشكل رئيسي في ارتفاع أسعار الذهب.
ويضيف الشعار: “التوترات في المنطقة خفت قليلاً، مما يجعل من الصعب عزل تأثير الوضع الإسرائيلي اللبناني وتحميله أكثر مما يحتمل”، لافتاً إلى أن التقلبات التي شهدتها الأسواق الأسبوع الماضي لم تكن مرتبطة فقط بالتوترات الجيوسياسية، بل كانت نتيجة لعدة عوامل تتعلق بالإدارة الأميركية الجديدة، بما في ذلك التعيينات والترشيحات والاتهامات والانسحابات.
ويوضح أن ترشيح ترامب لوزير خزانته قد لاقى ترحيباً في الأسواق، مما أدى إلى ارتفاع المؤشرات بشكل كبير. وأكد في ختام تصريحه أنه لا يمكن عزل الوضع اللبناني الإسرائيلي عن بقية الأمور الجارية في الأسواق، وأنه لا يمثل السبب المباشر للتقلبات الحالية، بل هو مجرد عامل بسيط من بين عوامل عدة تؤثر على الأسواق.
الضغط على أسعار النفط
على الجانب الآخر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يسلط رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، الضوء على تأثير الاتفاق المحتمل بين لبنان وإسرائيل على أسعار النفط، موضحاً أن هذا الاتفاق قد يؤدي إلى ضغط على أسعار النفط، خاصة في ظل الظروف الجيوسياسية الحالية.
ويلفت في السياق نفسه إلى أن العوامل الجيوسياسية هي التي كانت تدفع أسعار النفط في الفترة الأخيرة، مشيراً إلى ضعف الطلب العالمي، خصوصاً من الصين. ويؤكد أن أي انخفاض في التوترات الجيوسياسية أو الأزمات السياسية سيكون له تأثير هبوطي على أسعار النفط.
كما يشدد على أهمية منطقة الشرق الأوسط كمركز رئيسي لإنتاج النفط، وكيف أن الأزمات تؤثر على سوق النفط العالمية. وفي حال حدوث اتفاقات جديدة، فإن ذلك قد يؤدي إلى بعض الاستقرار والهدوء في المنطقة، مما سيكون له تأثير كبير على أسعار النفط في الوقت الحالي، والتي يبدو أنها تتجه نحو الهبوط.
استجابة للتطورات
من لندن، يشير الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”إلى التأثير المحتمل للأحداث السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط على سوق النفط العالمية بشكل خاص، موضحاً أنه فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في لبنان، فقد أسهمت هذه التطورات في هبوط أسعار النفط وزيادة عمليات البيع، مما يعكس استجابة السوق نسبياً للتطورات السياسية التي يمكن أن تؤثر على استقرار الإمدادات.
ويشير القاسم إلى أن المخاوف المتعلقة بإمدادات النفط قد تتراجع تدريجياً، لكن تبقى التحديات قائمة؛ خاصة مع احتمال فرض الإدارة الأميركية القادمة عقوبات على النفط الإيراني.. هذه العقوبات قد تؤدي إلى انخفاض كبير في صادرات إيران، مما يؤثر على حجم الإمدادات العالمية.
من جهة أخرى، إذا قامت الإدارة الأميركية القادمة بفرض رسوم جمركية على الواردات من المكسيك وكندا كما تعهد ترامب، فقد تتأثر أسعار الطاقة سلباً، خاصة أن كندا تعتبر مصدراً رئيسياً للنفط الخام إلى الولايات المتحدة.
وتبقى التوترات الجيوسياسية، مثل الصراع في أوكرانيا، عاملاً إضافياً يؤثر على أسعار الطاقة، مما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي، بحسب القاسم.
ويشير إلى أن وقف إطلاق النار يمكن أن يكون فرصة لدول المنطقة لتعزيز اقتصاداتها المتضررة، خاصة مع الحاجة الملحة لإعادة الإعمار في مناطق مثل غزة ولبنان وسوريا، موضحاً أن هذه المرحلة قد تمثل فرصة لتحفيز النمو الاقتصادي وتحسين الوضع المالي في هذه الدول.
ما الذي ينتظر الاقتصاد اللبناني؟
فيما يتعلق بالاقتصاد اللبناني، فقد أدى الهجوم الإسرائيلي على حزب الله في لبنان ، والذي تكثف بشكل حاد على مدى الشهرين الماضيين وأحدث دماراً واسعاً في البلاد، إلى وقف التعافي المتواضع الذي كانت الشركات اللبنانية تتمتع به بعد أربع سنوات من الأزمة الاقتصادية الهائلة.
وبحسب ما نقلته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، عن كبير الاقتصاديين في بنك عودة ومقره بيروت، مروان بركات، فإن:
- “معظم قطاعات الاقتصاد اللبناني توقفت عن العمل”.
- “في غياب وقف إطلاق النار، فإن الضرر الاقتصادي قد يزداد سوءا”.
- “إذا استمر الصراع حتى نهاية عام 2025، فإننا نتحدث عن توقعات بنمو بنسبة 20 بالمئة في العام المقبل”.
ويلفت التقرير إلى أن لبنان كان ذات يوم المركز المالي للشرق الأوسط ويتمتع بتراث تجاري وتجاري عريق. ولكن منذ عام 2019، عانى سكانه من انهيار بنسبة 98 بالمئة في قيمة العملة المحلية وأزمة مصرفية قطعت الطريق على الناس للحصول على مدخراتهم. كما حال الجمود السياسي الطاحن دون معالجة هذه المشاكل، في حين لم تسفر عملية إعادة هيكلة الدين العام التي تشتد الحاجة إليها عن أي تقدم.
ويضيف: كانت الأزمة الاقتصادية في لبنان متجذرة في سنوات من سوء الإدارة المالية والفساد، لكنها تفاقمت بسبب أحداث مثل انفجار مرفأ بيروت عام 2020 وجائحة كوفيد-19. ثم أخيراً الحرب في غزة (..).
وبدلاً من النمو بنسبة 0.9 بالمئة الذي توقعه البنك الدولي سابقًا، يتوقع البنك الآن أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في لبنان بنسبة 6.6 بالمئة هذا العام. وكان الناتج المحلي الإجمالي قد انكمش بالفعل بنسبة 34 بالمئة منذ العام 2019.
الزراعة والصناعة
ويوضح تقرير الصحيفة البريطانية أن المنطقة الأكثر تضرراً هي جنوب لبنان، الأقرب إلى الحدود مع إسرائيل ــ وهي منطقة خضراء غنية ببساتين الزيتون ومزارع الموز وأشجار الحمضيات. ويعتمد الاقتصاد المحلي على الزراعة، ولكن القرى الريفية في مساحة واسعة من الجنوب أصبحت خالية من السكان تقريباً. وحذر الجيش الإسرائيلي من العودة إلى بساتين الزيتون، مما تسبب في خسارة قدر كبير من الحصاد للعام الثاني. ويقدر البنك الدولي خسائر القطاع الزراعي في لبنان بنحو 1.1 مليار دولار.
وفي الوقت نفسه، دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية المركز التجاري في مدينة النبطية الجنوبية وأجبرت بعض المصانع على الإغلاق. وقال أحد أصحاب المصانع في الجنوب، والذي يتعامل في المنتجات الغذائية، إنه وموظفيه فروا في منتصف عملية تعبئة شحنة للتصدير الشهر الماضي مع اقتراب الغارات الجوية وتكرارها.
وإلى جانب الزراعة والتصنيع، تعرض مصدر آخر مهم للدخل للتقليص مع تصاعد التوترات خلال الصيف: الإنفاق على العطلات من جانب الجالية اللبنانية الضخمة في الخارج، حيث اختار العديد منهم عدم القدوم أو قطع العطلات، خوفًا من أن يؤدي إلغاء الرحلات الجوية إلى تركهم عالقين في لبنان.
- بحلول شهر سبتمبر ، فر أكثر من مليون شخص إلى مناطق أكثر أمنا بينما كانت الغارات الجوية الإسرائيلية تقصف جنوب وشرق لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، وهي المواقع التي يهيمن عليها حزب الله.
- غادر أكثر من 600 ألف شخص لبنان إلى سوريا، ثلثهم تقريباً من اللبنانيين، وفقاً للحكومة اللبنانية. وهو ما يمثل عكس حركة واسعة النطاق للسوريين إلى لبنان أثناء الحرب الأهلية التي شهدتها بلادهم منذ أكثر من عقد من الزمان.
- أدت هذه الحركة إلى الخارج إلى مزيد من خفض الاستهلاك، في حين انهارت قطاعات مثل الترفيه والأزياء مع تزايد سوء الأجواء الوطنية.
#لبنان
#أسواق عربية
اترك ردك